موقف الشيخ علي الحلبي من مذهب الشافعي

سألَني سائلٌ:
ما موقفُكـ/ـم مِن مذهب الإمام الشافعيّ، والتمذهب به؟!
فأجبتُه:
ابتداءً: يكادُ يكونُ الإمامُ الشافعيُّ-رحمه الله-أكثرَ الأئمةِ الأربعةِ-رحمهم الله-نُصرةً للسنة المطهّرة، وتعظيماً لها، وتفقُّهاً بها، ودعوةً إليها..
ويكفي أن نتذكّر: أنّ شيخَه هو الإمامُ مالكٌ، وأنّ تلميذَه هو الإمامُ أحمدُ-وهما مَن هما في هذا الباب الأصيل الجليل-النّافي لكلّ دخيل؛ كثيرٍ أو قليل-.
وكثيرٌ مِن علماء المذهب الشافعيّ-رحمهم الله-كانوا يتّخذون مِن المذهب وسيلةً للتعلّم، والتعليم، وضبطِ المسائل-لا غير-.
مع رجوعهم عن أيّة مسألةٍ ظهر لهم أنها تخالفُ الدليلَ والبرهان-ولو كانت مِن مسائل الـ/ـمذهب الشافعيّ -نفسِه-.
وهذا الرجوعُ-أو التراجعُ-هو -ذاتُه-مذهبُ الإمام الشافعيّ-رحمه الله-، الذي ثبت عنه-بأصحّ إسنادٍ-فيهِ-قولُه:(إذا صحّ الحديثُ؛ فهو مذهبي)...
وهو النهجُ العلميُّ العالي؛ الذي ربّى عليه تلاميذَه-رحمهـ/ـم الله-؛ كما قال الإمامُ المُزَنيُّ-صاحبُ الإمام الشافعيِّ-المتوفى سنة(264هـ)-رحمة الله عليه-في مقدّمة«مختصره»-الشهير-:(اختصرتُ هذا الكتابَ مِن علم محمَّد بن إدريسَ الشافعيِّ -رحمه الله-، ومِن معنى قوله؛ لأقرِّبَه على مَن أراده.
مع إعْلامِيه نهيَه عن تقليدِه وتقليدِ غيرِه؛ لينظرَ فيه لدينه، ويحتاطَ فيه لنفسه)..
وهذا منهجٌ حقٌّ عدلٌ-كيفما كان اسمُه-تمذهُباً، أو اتّباعاً، أو تقليداً-؛ فالعبرةُ بالحقائق والمسمَّيات، لا بالأسماء والمصطلحات..
أمّا التعصّبُ الأعمى للمذهب-أيِّ مذهبٍ-وكلُّ التعصّب أعمى!-؛ فهو شأنٌ لا يعرفُه أهلُ العلم الحقيقيّون- الذين هم للحُجّة والدليل مُبَجِّلون، وللوحي والتنزيل مُعظّمون -كانوا، ولا يزالون-.
وذاك التعصّبُ-كلُّه-سَتْرٌ مُرَقَّعٌ شَفّافٌ؛ يستر به ذوو الهوى عوراتِهم الفكرية، ويغطّون به نقصَهم العلميّ-فيما يحسَبُون أن يكونَ ذلك كذلك-!
وهذا المَسْلَكُ –المائلُ!- ممّا لا يجوزُ أن يُنسَبَ لأولئك الأئمّة الكُبَراء، ومَن سار على مثلِ ما كانوا عليه من نُبلاء العُلماء.
ومِن حُسن توفيق الله-تعالى-لعبدِه الفقير إليه: أنّ دروسيَ العلميةَ الثلاثةَ-القائمةَ الآنَ-في بلادنا الأُرْدُنِّيَّةِ الهاشميّة المبارَكة-هي لثلاثةِ علماءَ أجلاّءَ من علماء المذهب الشافعيّ:
الأول: الحافظُ أبو الحسن الواحديّ الشافعيّ، المتوفّى سنةَ(468هـ)-في تفسيره«الوجيز»-رحمه الله-. 
الثاني: الحافظُ أبو شامةَ المقدسيّ الشافعيّ، المتوفّى سنةَ(665هـ)-في «خُطبة الكتاب(المُؤمَّل في الردّ إلى الأمر الأوّل)» -رحمه الله-. 
الثالث: الحافظُ جلال الدين السُّيُوطيّ، المتوفّى سنةَ(911هـ)-في (ألفيّته) الحديثية الشهيرة «نَظم الدُّرر»-رحمه الله-. 
ورحم اللهُ محدّثَ مِصرَ الشيخَ العلامةَ أحمد محمّد شاكر-القائلَ-:( ولو جاز لعالمٍ أن يقلّد عالماً: كان أَوْلى الناس –عندي- أن يقلَّد -:الشافعيّ.
فإني أعتقدُ - غيرَ غالٍ، ولا مُسْرِفٍ - أنّ هذا الرجلَ لم يظهر مثلُه في علماء الإسلام- في فقه الكتاب والسنّة، ونُفُوذ النظرِ فيهما، ودقّة الاستنباط.
مع قوّةِ العارضة، ونورِ البصيرة، والإبْداعِ في إقامةِ الحُجّة، وإفحامِ مُناظره)...
فمَن لم يكن مِن أتباعِ هذا الإمامِ -المنتسِبين إليه-سائراً على سَنَنِهِ الجليّ، وطريقه النقيّ-وإن لم يكن(وقد لا يكونُ!)على قَدْرِ علمِه-؛ فلا يُتعِب نفسه!
وبالله-وحدَه-التوفيقُ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشيخ محمد بخيت الحجيلي ينصح أهل نيجيريا

فقه الصلاة عند الزلازل والراجح من أقوال الفقهاء* جمعته على عجالة

كيف تحقق المسائل وتراها -الشيخ فتحي الموصلي